المقالاتتنمية مستدامةتوب

“الثانوية في الصعيد تبدأ من السجل المدني وتنتهي بكلية الطب… من يوقف المهزلة؟”

 

لا تزال ظاهرة الغش الجماعي في امتحانات الثانوية العامة في بعض محافظات الصعيد، وعلى رأسها محافظة سوهاج، تمثّل سرطانًا ينخر في جسد المجتمع المصري، ويهدد مستقبل الأجيال وكفاءة الكوادر التي يُفترض أن تقود قطاعات حيوية في الدولة، كالصحة والهندسة والتعليم.

يأتى هذا بالتزامن مع رضوخ وزارة التربية والتعليم للضغوط الأخيرة والعودة إلى عقد امتحانات الثانوية العامة داخل المدارس بعد أن كانت فى الجامعات، شعر الكثيرون بخيبة أمل مريرة، إذ أن هذا القرار رغم ما قيل عنه أن هدفه تخفيف الأعباء اللوجستية – لا يحقق أدنى درجات العدالة في التقييم، ويفتح الباب مجددًا للغش المنظم، والضغط على المراقبين، وتكوين لجان “خاصة” يتم فيها تسريب الامتحانات وحلّها علنًا، دون أدنى خوف من قانون أو محاسبة.، كما انه دليل واضح على ان الغشاشون باتوا اقوى من الضغوط ….

من السجل المدني تبدأ القصة…

في سوهاج وبعض المناطق الأخرى بالصعيد، تبدأ الاستعدادات للثانوية العامة من السجل المدني، حيث يقوم بعض أولياء الأمور بتغيير أسماء أبنائهم في بطاقة الرقم القومي لتبدأ بنفس الحرف، حتى يتم تجميعهم داخل لجنة واحدة، مما يسهل عليهم التنسيق والتنظيم. بعدها، يتم إنشاء مجموعات مغلقة عبر وسائل التواصل، يتم فيها تحديد “الأسعار”: من ٥٠ إلى 85 ألف جنيه للمادة الواحدة، بحسب صعوبتها، تشمل ترتيبات الغش، وتوفير نماذج الإجابة، و”شراء” صمت المراقبين، أو تهديدهم في حال الرفض.

أدوار موزعة… ولجان بلا رقابة

داخل اللجنة، تجد أولياء الأمور يجلسون بجوار أبنائهم أحيانًا! في مشهد عبثي لا يمكن تصديقه، ويقوم آخرون بتوفير الطعام والشراب، وتغطية الكاميرات لمنع تسجيل أي دليل يدينهم، بينما يُترك الطالب “ليؤدي الامتحان” ، محاطًا بكل وسائل الدعم غير القانوني.

النتيجة؟ عائلات كاملة تحصل على مجاميع مرتفعة، وتلتحق بكليات القمة، وعلى رأسها الطب. ثم يتخرج من بينهم من لا يستطيع تشخيص نزلة برد، لأنه ببساطة لم يذاكر يومًا واحدًا، ولم يجتهد ساعة واحدة.

الخطر الحقيقي: مريض في يد فاشل

ليس الخطر فقط في اختراق منظومة التعليم، بل في تهديد صحة الناس وأرواحهم. ماذا يحدث عندما تدخل مستشفى وتجد أمامك طبيبًا تخرج بالغش؟ كيف تأمن على جسدك أو حياة طفلك في يد طبيب فاشل، لم يكن يومًا مؤهّلًا للوقوف خلف سماعة الكشف أو مشرط الجراحة؟

من يوقف هذه المهزلة؟

السؤال البديهي الآن: أين الدولة؟ أين الرقابة؟ أين دور وزارة التعليم، والداخلية، ومباحث الإنترنت، والرقابة الإدارية؟ لماذا تُترك محافظات كاملة بلا رقابة فعلية؟ ولماذا يتكرر السيناريو كل عام بلا ردع حقيقي؟

القضية لم تعد مجرد غش طلاب، بل منظومة فساد متكاملة الأطراف: تبدأ من تزوير السجلات الرسمية، وتنتهي بتخريج كوادر غير مؤهلة تهدد الأمن القومي الصحي والتعليمي في مصر.

إن لم يتم كسر هذا النموذج الفاسد، فسنستفيق قريبًا على أطباء قتلة ، ومهندسون يقتلون الناس بجسور متهالكة، ومعلمين يخرّبون عقول الأجيال القادمة.

فمن يوقف المهزلة…؟؟؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *