طاقة ونقل

اليوم الدولى لمناهضة التجارب النووية

بقلم / د. مجدى عبدالله


تحتفل الأمم المتحدة والعالم أجمع يوم السبت الموافق التاسع والعشرون من شهر أغسطس باليوم الدولى لمناهضة التجارب النووية ، والتى بدأتها الولايات المتحدة بتفجير قنبلتها الذرية الأولى في صباح 16 يوليو 1945 في موقع تجارب في صحراء ألاموغوردو بولاية نيومكسيكو والذى سمى لاحقا باسم موقع ترينيتى، تتويجاً لسنوات من البحث العلمي تحت مظلة مشروع مانهاتن (ولد مشروع مانهاتن من خلال برنامج بحثى صغير فى عام 1939 ، وتم نقله إلى سلطة جيش الولايات المتحدة عام 1942 بأسمه الحالى ، وأدار البحث العلمى فيه الفيزيائى الأمريكى جيه روبرت أوبنهايمر ، وفى عام 1946 قام المشروع بتوظيف أكثر من 130,000 شخص بتكلفة حوالى 2 مليار دولار ما يعادل 23 مليار دولار فى عام 2007 ، وأنشأ العديد من مواقع الإنتاج والبحث السرية أهمها منشأة إنتاج البلوتونيوم بموقع هاتفورد بواشنطن ، مرفق تخصيب اليورانيوم فى أوك ريدج بولاية تينيسى ، ومختبر أبحاث وتصميم الأسلحة وهو معمل لوس ألاموس الوطنى فى نيوميكسيكو) .
وخلال الفترة ما بين يومى 16 يوليه 1945 و 24 سبتمبر 1996 وهو يوم افتتاح التوقيع على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية حيث تم إجراء ما يزيد عن 2000 تجربة نووية في جميع أنحاء العالم ، فقد أجرت الولايات المتحدة 1032 تجربة بين عامى 1945 و 1992 ، والاتحاد السوفيتى 715 تجربة بين عامى 1949 و 1990 ، والمملكة المتحدة 45 تجربة بين عامى 1952 و 1991 ، وفرنسا 210 تجربة بين عامى 1960 و 1996 ، والصين 45 تجربة بين عامى 1964 و 1996 .
وبعد افتتاح التوقيع على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية عام 1996 تم إجراء اكثر من 12 تجربة حيث قامت الهند بإجراء 5 تجارب عام 1998 بالإضافة إلى تجربة كانت قد أجرتها عام 1974 ، وكان رد باكستان بعد اسبوعين بإجراء 7 تجارب ، كما أجرت كوريا الشمالية ستة تجارب معلنة واحدة في كل من 2006 و 2009 و 2013 واثنتان في عام 2016 وواحدة في عام 2017 .
وقد تم إجراء التفجيرات النووية في جميع أنواع البيئات: فوق الأرض وتحت الأرض وتحت المياه ، وأيضا تم تفجير القنابل في أعالي الأبراج وعلى متن البارجات وتم تعليقها من بالونات ، وعلى سطح الأرض وأسفل المياه حتى أعماق 600 متر ، وتحت الأرض حتى أعماق تزيد عن 2400 متر وفي الأنفاق الأفقية ، كما تم إسقاط قنابل التجارب بالطائرات وإطلاقها بواسطة الصواريخ حتى 200 ميل في الغلاف الجوى .
وتشير تجارب الغلاف الجوي إلى التفجيرات التي تمت في الغلاف الجوي أو فوقه ، وقد تم تفجير 25% أو ما يزيد عن 500 قنبلة في الغلاف الجوي منها ما يزيد عن 200 بواسطة الولايات المتحدة ، وما يزيد عن 200 بواسطة الاتحاد السوفيتي ، وحوالي 20 بواسطة بريطانيا ، وحوالي 50 بواسطة فرنسا ، وما يزيد عن 20 بواسطة الصين .
وفي مارس 1954 قامت الولايات المتحدة بتجربة قنبلتها الهيدروجينية كاسيل برافو في جزر مارشال بالمحيط الهادئ ، وقد خلّفت هذه التجربة أسوأ كارثة إشعاعية في تاريخ التجارب الأمريكية ، فقد تعرض المدنيون المحليون بجزر مارشال والجنود الأمريكيون المتمركزون في جزيرة رونغريك المرجانية للمواد المشعة المتساقطة ، مما أدى إلى تصاعد القلق الدولي بشأن المواد المشعة السقاطة والناجمة عن تجارب الغلاف الجوي ، وقد أدى هذا إلى حظر تجارب الغلاف الجوي عن طريق معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية في عام 1963 ، وقد استجابت كلا من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والمملكة المتحدة ليكونوا أطرافاً في المعاهدة ، لكن فرنسا والصين انضما إليها لاحقا ، فقد أجرت فرنسا آخر تجربة في الغلاف الجوي في عام 1974 ، بينما أجرت الصين آخر تجربة لها من نفس النوع في عام 1980.
كما تشير التجارب تحت المياه إلى التفجيرات التي تتم تحت الماء أو بالقرب من سطح الماء ، وقد تم إجراء عدد قليل نسبياً من التجارب تحت المياه ، فتم إجراء أول تجربة نووية تحت الماء (عملية مفترق الطرق) بواسطة الولايات المتحدة في عام 1946 في باسيفيك بروفينج جراوندز بجزر مارشال بهدف تقييم تأثيرات الأسلحة النووية المستخدمة ضد السفن البحرية ؛ وفي عام 1955 أجرت الولايات المتحدة (عملية ويجوام) تجربة نووية واحدة تحت الماء على عمق 600 متر لتحديد نقاط ضعف الغواصات تجاه الانفجارات النووية ، ويمكن للانفجارات النووية تحت الماء والتي تتم قرب السطح أن تعمل على نشر كميات ضخمة من المياه والبخار المُشع ، مما يؤدي إلى تلويث السفن والهياكل والأفراد المجاورين ، وقد تم حظر التجارب النووية تحت الماء أيضا من خلال معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية في عام 1963.
ويشير مصطلح “التجارب تحت الأرض” إلى أن التفجيرات كانت تتم على أعماق متباينة تحت سطح الأرض ، وقد شكّل هذا النوع غالبية التجارب (أي حوالي 75%) من جميع التفجيرات النووية أثناء الحرب الباردة (1945-1989) ؛ أي ما يزيد عن 800 من جميع التجارب التي أجرتها الولايات المتحدة الأمريكية وحوالي 500 من جميع التجارب التي أجراها الاتحاد السوفيتي .
وهذه التجارب ينبعث عنها سقوط مواد مشعة بسيطة مقارنة بتجارب الغلاف الجوي ، ورغم ذلك فإن التجارب النووية تحت الأرض تشق طريقها إلى السطح مما قد ينجم عنه حطاماً مُشعاً هائلاً ، وتكون التجارب النووية تحت الأرض جلية عادة من خلال النشاط الزلزالي المرتبط بمحصلة الجهاز النووي ، وقد تم حظر التجارب النووية تحت الأرض بواسطة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية التي تحظر جميع التفجيرات النووية على الأرض ، فقد تم إجراء 75% من جميع تفجيرات التجارب النووية أثناء الحرب الباردة تحت الأرض .
وتحظـر معاهـدة الحظـر الـشامل للتجـارب النوويـة تفجـيرات تجـارب الأسـلحة النوويـة وأيَّ تفجيرات نووية أخرى ، وهي ترمـي إلى إزالـة الأسـلحة النوويـة بتقييـد اسـتحداث أسـلحة نووية جديدة أو أكثر تطوُّراً وتحسينها نوعيا ، وتضطلع اللجنة التحـضيرية للمنظمـة بأعمـال تحـضيريه لبـدء نفـاذ المعاهـدة، ولا سـيما إقامـة نظـام للرصـد الـدولي بموجـب المعاهـدة وتـشغيله مؤقَّتـاً ، وتقـديم المساعدة لإنشاء مراكز البيانات الوطنية للدول الأعضاء ، وبناء نظام التحقق الذى يتمثل فى جوهره في نظام الرصد الدولي (IMS)، والذي يضم 337 منشأة واقعة في جميع أنحاء العالم تعمل بصفة مستمرة على مراقبة الكوكب لمعرفة مؤشرات التفجيرات النووية ، ويقوم حوالي 80% من هذه المنشآت بالفعل بإرسال بيانات إلى مركز البيانات الدولي في مركز قيادة منظمة المعاهدة في فينا .
ويستخدم نظام الرصد الدولي التقنيات الحديثة الأربع التالية وهى الاهتزازية حيث تعمل خمسين محطة اهتزازية أساسية و120 محطة إضافية على مراقبة الموجات الصدمية في الأرض الناجمة عن الزلازل أو تفجيرات المناجم أو التفجيرات النووية ؛ النظام الصوتي المائي حيث توجد إحدى عشرة محطة مسماع مائي تقوم “بالتنصت” لالتقاط الموجات الصوتية في المحيطات ؛ الصوت تحت السمعي وتوجد ستون محطة على الأرض يمكنها اكتشاف الموجات الصوتية ذات الترددات فائقة الانخفاض والتي لا تسمعها أذن الإنسان ؛ وأخيرا النويدات المُشعة حيث توجد ثمانون محطة تقوم بقياس الغلاف الجوي لتحديد الجزيئات المشعة ، ويمكن من خلال هذه القياسات فقط توفير مؤشرات واضحة عما إذا كان الانفجار الذي تم اكتشافه بواسطة الوسائل الأخرى نووياً أم لا ، وهي مدعومة بواسطة 16 معمل للنويدات المُشعة ، وعنـدما يبـدأ نفـاذ المعاهـدة ستتأسَّـس بموجبـها منظمـة معاهـدة الحظـر الـشامل للتجـارب النووية في فيينا بالنمسا .
وحتى يناير 2014 كانت قد وقَّعت على معاهدة الحظر الـشامل للتجـارب النووية 183 دولةً ، وصدَّقت عليها 161 دولةً ، بينما مصر والولايات المتحدة واسرائيل ضمن 24 دولة وقعت ولم تصدق على المعاهدة ، وهناك 13 دولة لم توقع على الاتفاقية من بينها كوريا الشمالية والسعودية وسوريا وكوبا وباكستان والهند .
ويبدأ نفاذ المعاهدة بعـد ١٨٠ يومـاً مـن التـصديق عليهـا مـن طـرف الـدول الأربع والأربعون التى شـاركت رسميـا في المفاوضـات بشأن المعاهدة وكانت تمتلك عندئذ مفاعلات طاقة نووية أو مفاعلات أبحاث نووية وكان من بينها الدول النووية الخمس الكبرى ومصر وجنوب افريقيا والجزائر من افريقيا ، ولم تـصدِّق ثمـان مـن تلك الدول بعد على المعاهدة .
د. مجدى عبدالله
استاذ متفرغ بهيئة الرقابة النووية والإشعاعية
mhamed754@yahoo.com

الوسوم