طاقة ونقل

جائحة كورونا والتضامن الدولى


بقلم د.مجدى عبدالله

إن أزمة COVID-19 ليست حربًا ولكنها “تشبه الحرب” من حيث أنها تتطلب تعبئة وتوجيه الموارد على مستويات غير مسبوقة ، فالتضامن بين الدول والاستعداد لتقديم التضحيات من أجل الصالح العام أمران حاسمان ، فمن خلال التكاتف والتعاون عبر الحدود يمكن التغلب على الفيروس واحتواء عواقبه ، فأحيانا الحروب لا تربح من خلال التكتيكات أو حتى الإستراتيجيات ، ولكن من خلال اللوجستيات والاتصالات يبدو هذا صحيحًا بالنسبة لـ COVID-19 فمن الأفضل تنظيم الاستجابة ، والاعتماد بسرعة على الدروس المستفادة من جميع أنحاء العالم والتواصل بنجاح تجاه المواطنين والعالم الأوسع ، وعندها سيخرج العالم أقوى .

ففى 31 ديسمبر من العام الماضى أبلغ مسؤولو الصحة الصينيون منظمة الصحة العالمية عن مجموعة من 41 مريضًا يعانون من إلتهاب رئوي غامض وكان معظمها مرتبطًا بسوق هوانان للمأكولات البحرية بالجملة ، وهو سوق رطب في مدينة ووهان ، ويعتقد الباحثون أن الفيروس التاجي الجديد نشأ في الخفافيش ، ثم قفز إلى نوع وسيط الذي نقله إلى البشر ويمكن أن ينتشر بين البشر عبر قطرات الجهاز التنفسي في غضون ستة أقدام ويمكن للفيروسات أيضًا أن تعيش لأيام على العديد من الأسطح ، وتشمل أعراض الفيروس التي تشبه الالتهاب الرئوي الحمى وصعوبة التنفس .
٨وفى 1 يناير 2020 أغلقت السلطات الصينية سوق هوانان للمأكولات البحرية بالجملة ، وحظرت سلطات ووهان تجارة الحيوانات الحية في جميع الأسواق الرطبة مباشرة بعد الحالات الأولى ، وأعلنت الصين أيضًا حظرًا وطنيًا مؤقتًا على شراء وبيع ونقل الحيوانات البرية في الأسواق والمطاعم والأسواق عبر الإنترنت في جميع أنحاء البلاد والذى تم حظره في وقت لاحق ، كما تم عزل وإغلاق المزارع التي تقوم بتربية الحيوانات البرية ونقلها إلى الأسواق الرطبة .
وفى 7 يناير حددت الصين الفيروس الذي تسبب في مرض يشبه الالتهاب الرئوي كنوع جديد من فيروسات التاجية يسمى فيروس التاجي الجديد أو nCoV، وفى 11 يناير سجلت الصين موتها الأول المرتبط بالفيروس التاجي الجديد ، وفى 13 يناير تم الإبلاغ عن أول حالة فيروس تاجي خارج الصين في تايلاند ، وفى 20 يناير تم الإبلاغ عن أول حالة للولايات المتحدة ، وفى 23 يناير وضعت السلطات الصينية مدينة ووهان التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون شخص تحت الحجر الصحي – وبقية مقاطعة هوبي بعد ذلك بأيام والتى يبلغ تعداد سكانها حوالى المائة مليون ، وفى 30 يناير أعلنت منظمة الصحة العالمية عن طوارئ الصحة العامة ذات الاهتمام الدولي ، وسرعان ما علقت عدة شركات طيران كبرى رحلاتها من وإلى الصين ، وأعادت عدة دول مواطنين يعيشون في ووهان ، وكان التنظير المهيمن فى ذلك الوقت من دول العالم كافة هو كونه أزمة محلية في مقاطعة هوبي تفاقمت بسبب التستر على معلومات مهمة من قبل المسؤولين ، وتركت الصين تواجه مصيرها بالرغم من تزايد أعداد الإصابات والوفيات وكأن ليس هناك مكان للتراحم الإنسانى ، وربما تكون الصين قد مرت بأسوأ أزمة صحية ، وعلى الرغم من أن الفيروس نشأ في الصين وبدت الحكومة في البداية تكافح للتعامل معه ، إلا أنها كانت قادرة على احتواء تفشي المرض في هوبي إلى حد كبير بعد نشر موارد هائلة من بقية مقاطعات الصين للتعامل معه .
وفي 22 فبراير أبلغت السلطات الإيطالية عن مجموعات من الحالات في لومباردي وحالات إضافية من منطقتين أخريين بيدمونت وفينيتو وفى خلال الأيام التالية تم الإبلاغ عن حالات من عدة مناطق أخرى ، وفى خلال الأسبوع التالي أبلغت عدة دول أوروبية عن حالات COVID-19 للمسافرين من المناطق المتضررة في إيطاليا ، وفي 8 مارس 2020 أصدرت إيطاليا مرسومًا لتثبيت تدابير الصحة العامة الصارمة بما في ذلك التباعد الاجتماعي بدءًا أولاً في المناطق الأكثر تأثرًا ، وناشدت إيطاليا بل توسلت إلى أصدقاء وحلفاء البلاد للحصول على إمدادات الطوارىء الطبية العاجلة بموجب آلية أزمة أوروبية خاصة ، ولم تستجب أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي خوفًا من نقصها ، لنجد أن العديد من البلدان تحركت بسرعة لدعم الإمدادات لديها لوباء محتمل ، وقد أفادت منظمة Global Trade Alert أنه من 1 يناير حتى 11 مارس تحركت 24 دولة بما في ذلك كوريا الجنوبية لحظر تصدير منتجات الرعاية الصحية الحيوية في محاولة لدعم الإمدادات المحلية ، منها حوالى 16 حكومة فى آسيا حيث بدأت الجائحة وقد بدأت هى الأخرى فى حظر تصدير الإمدادات الطبية الحيوية .
وحظرت ألمانيا والتشيك تصدير الأقنعة الطبية وغيرها من معدات الحماية ، وقال منتج للأقنعة 3M إن القيود الألمانية جعلت من المستحيل تزويد السوق الإيطالية بها ، وصادرت الحكومة الفرنسية جميع أقنعة الوجه والتى وجدت داخل فرنسا لاستخدامها الخاص بما فيها عقد تصدير مع الحكومة البريطانية ، وأيضا صادرت المانيا شحنة أقنعة صينية الصنع متجهة إلى سويسرا خلال إعادة الشحن ، وهذا جعلنا نشعر وكأننا وسط غابة ليس بها أى نوع من الإنسانية ، قانونها من يستطيع فليستولى بدون وجه حق على ما يجده من أملاك الآخرين .
وفي 11 مارس 2020 أعلنت منظمة الصحة العالمية أن COVID-19 هو جائحة عالمية ، وهو أسم واضح ويشير إلى المرض ولا يشير إلى موقع جغرافي أو حيوان أو فرد أو مجموعة من الناس ، وفى 15 مارس أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أن بروكسل فرضت يوم الأحد حظرا على تصدير الاتحاد الأوروبي لبعض معدات الحماية الطبية في محاولة للاحتفاظ بإمدادات كافية داخل الكتلة .
وخارج الاتحاد الأوروبي ، فرضت تركيا وروسيا وتايوان قيودًا أيضًا ، مما جعلنا نشعر بالفاشية فى أحلك الأوقات ، ومع انتشار وباء Covid-19 وجدنا أن هناك تهديد كامن لا يمكننا تجاهله ، ماذا يحدث إذا قامت الدول بتخزين أو حتى تأميم الموارد الحيوية لمكافحة المرض ، واعتبارًا من 25 مارس 2020 ، تأثرت جميع دول الاتحاد الأوروبي وأكثر من 150 دولة حول العالم بالفيروس ، وفى السابع من أبريل انتشر الفيروس فى جميع أنحاء العالم ليتجاوز اليوم عدد الإصابات المؤكدة الأربع ملايين ونصف ، وعدد الوفيات يتجاوز 300 ألف وفاة .
أما بالنسبة لأمريكا زعيم العالم سواء رضينا أم أبينا ففى 31 من يناير يمنع الرئيس ترامب الأجانب من دخول الولايات المتحدة إذا كانوا في الصين خلال الأسبوعين السابقين ، وفى يوم 2 مارس ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز حاول البيت الأبيض إقناع CureVacوهى إحدى الشركات الألمانية التي تعمل على لقاح Covid-19 للانتقال إلى الولايات المتحدة وزعمت صحيفة ألمانية أن إدارة ترامب أرادت الولايات المتحدة تأمين الوصول الوحيد للقاح ، وأعلن وزير الخارجية الألمانى أنه لا يمكننا السماح بموقف حيث يريد الآخرون حصرا الحصول على نتائج أبحاثنا ، والتقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بكبار المسؤولين الألمان لمناقشة كيفية منع العرض ، وبعد بضعة أيام نشرت صحيفة جلوبال تايمز وهي صحيفة يملكها الحزب الشيوعي الصيني أفتتاحية تدعى فيها أن “تطوير اللقاح معركة لا تتحمل الصين خسارتها” ، بحجة أن الصين لا يمكنها الاعتماد على أوروبا أو الولايات المتحدة لمنحها الوصول إلى لقاح ، وفى لمحة سيئة أخرى تدفع أمريكا ثلاثة أضعاف شحنة من المعدات الطبية الصينية عن السعر الذى دفعته فرنسا لتغير طريقها إلى الولايات المتحدة ، إنه قانون الغابة !؟ .
وفى 11 مارس يحظر الرئيس ترامب جميع رحلات السفر من 26 دولة أوروبية ، وفى 13 منه تم إعلان حالة طوارئ وطنية أمريكية بسبب تفشي فيروس تاجي جديد ، وفى 14 منه أعلن ترامب أن حظر السفر الأوروبي سيمتد إلى المملكة المتحدة وأيرلندا ، وفى 18 مارس أعلن الرئيس ترامب الإغلاق المؤقت للحدود بين الولايات المتحدة وكندا ، وفى 20 منه اتفقت الولايات المتحدة والمكسيك على تقييد حركة المرور غير الضرورية عبر الحدود بشكل متبادل ، وفى 26 منه يبلغ إجمالي الحالات المؤكدة في الولايات المتحدة 82404 وهي أعلى نسبة في العالم متجاوزة الصين وإيطاليا ، وفى خلال الفترة من 29 فبرايرإلى 19 مارس أعلنت جميع الولايات الأمريكية تقريبًا حالة الطوارئ ، وفى 7 أبريل أصبح ما يقرب من 95 ٪ من جميع الأمريكيين تحت الإغلاق ؛ وفى 11 منه بلغ عدد الأمريكيين الذين تقدموا بطلبات للبطالة منذ منتصف مارس 22 مليون ؛ وفى 12 منه أمر الرئيس دونالد ترامب بوقف تمويل 400 مليون دولار لمنظمة الصحة العالمية بالرغم من أن قطع هذا التمويل يعني أن الوباء يمكن أن يستمر لعدة شهور أخرى أو حتى سنوات أطول ويمكن أن يصبح دائمًا بين البشر ، وأخيرا فى 13 مايو تتهم واشنطن بكين بمحاولة سرقة أبحاث كورونا لترفض الصين المزاعم الأمريكية وتضيف أنها تقود العالم فى مجال الأبحاث للتوصل إلى علاج ولقاح لكوفيد-19 بعد أن أنكفأت أمريكا على نفسها بناء على تعليمات ترامب .
إن حزمة الإجراءات التى اتخذتها مختلف دول العالم فى مواجهة جائحة كوفيد-19 جعلتنى أرجع إلى القرآن الكريم فى سورة عبس وأقرأ الآيات بسم الله الرحمن الرحيم ( فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ ، يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) صدق الله العظيم ، فعندما بدأ فيروس كورونا بالهجوم على البشرية وجدنا كل الدول تنكفىء على نفسها وكلها تقول نفسى نفسى، حتى داخل العائلات الكبيرة وجدنا كل أسرة تغلق على نفسها وتطبق التباعد الاجتماعى ، ووجدنا الأهل والأبناء يفرون من دفن موتاهم المصابين بالفيروس ، ووجدنا الجيران يطاردون الإطباء وأطقم التمريض العاملون فى مكافحة الوباء ويحاولون طردهم من منازلهم التى يقيمون فيها خوفا من العدوى بدلا من تشجيعهم وتقديم الشكر والإمتنان لهم ، لاحول ولاقوة إلا بالله العلى العظيم وكأننا فى يوم القيامة ، سبحانك يارب العالمين ، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا يا أكرم الأكرمين ، فما يحدث فى العالم هذه الأيام بسبب فيروس كورونا يظهر حالة الذعر والهلع فى مختلف دول العالم لنجدها تتجه إلى قانون الغاب وقانون تحكمه الأنانية ، فنجد أوروبا الموحدة أو دول الاتحاد الأوروبى قد سارعت لتغلق حدودها على شعبها وتقول نفسى نفسى بدلا من التجمع والتشاور لمواجهة هذا الوباء ، ونجد أقوى دولة فى العالم (سيدة العالم) تغلق على نفسها بدلا من أن تقود العالم لمواجهة هذا الوباء وتقول نفسى نفسى . فغالبًا ما تتحول الغريزة البشرية إلى الداخل ، لإغلاق الحدود والدفاع عن النفس في حين أن هذا الموقف غير مفهوم فهو يهزم نفسه، ولا يمكن حل حالة الطوارئ COVID-19 داخل دولة واحدة أو من خلال الذهاب بمفردها ، إن القيام بذلك يعني ببساطة أن العالم أجمع سيكافح لفترة أطول مع ارتفاع التكاليف البشرية والاقتصادية.
لذلك ما يجب أن نعمل من أجله هو توسيع جذري للتعاون الدولي بين العلماء والاقتصاديين وواضعي السياسات في الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وصندوق النقد الدولي والمحافل الدولية الأخرى مع تجميع الموارد للعمل على محاولة النجاح فى إنتاج العلاجات واللقاحات ، كذلك الحد من الأضرار الاقتصادية من خلال التعاون في إعادة فتح الحدود عندما يخبرنا العلماء أننا نستطيع ذلك ، وأيضا محاربة حملات التضليل عبر الإنترنت ، لنؤكد إنه وقت للتضامن والتعاون وليس إلقاء اللوم الذى لن يشفي شخصًا مصابًا .
حتى دولنا العربية الإسلامية انكفأت على نفسها وسارعت إلى أن تغلق على نفسها هى الأخرى وتقول نفسى نفسى ، إحداها يدخل كلمات الصلاة فى المنازل على الأذان إيذانا بوقف الصلاة فى المساجد وتلغى صلاة الجمعة والجماعة ولاحقا صلاة القيام فى رمضان وستتبعها صلاة عيد الفطر المبارك لتتبعها باقى دولنا العربية الإسلامية ، ونحن مع هذه الإجراءات ونؤيدها لأنها تساعد على التباعد الاجتماعى للحد من خطورة هذه الجائحة .
لكن الأهم من ذلك وخلال كل هذا لم نسمع من جامعة الدول العربية أو من منظماتها المختلفة سواء المجلس العربى للاختصاصات الصحية ، مجلس وزراء الصحة العرب حتى معهد البحوث والدراسات العربية والمركز العربى لدراسات المناطق الجافة والأراضى القاحلة ( أكساد ) ، لم نسمع عن أى دعوة لعقد قمة عربية طارئة لمناقشة كيف تواجه أمتنا وشعوبنا العربية هذا الوباء !؟ لم نسمع عن الدعوة لاجتماع طارىء لوزراء الصحة العرب للتشاور فى كيفية مواجهة هذا الوباء !!!، لم نسمع عن دعوة لكيفية توحيد جهود علمائنا العرب المتخصصين فى علم الأوبئة سواء المتواجدين داخل الوطن العربى أو المنتشرين فى أوروبا والولايات المتحدة وكندا وما أكثرهم لمواجهة وباء كوفيد-19 !!! ؟ لم نسمع عن كيفية توفير الميزانيات لهم لمحاولة إنتاج لقاحات وأمصال للقضاء على هذا الفيروس ولحماية مواطنينا والمحافظة على هذه الثروة البشرية !!! ؟ ، لم نسمع عن كلمة أو تصريح يوحى بأن هناك تلاحم عربى وقت الشدائد !!! ؟ ، حتى مجلس التعاون لدول الخليج العربية وهو إحدى منظمات جامعة الدول العربية عندما وجهت إحدى دوله وهى دولة الكويت الدعوة لعمل بنك للطعام خاص بدول المجلس وليس كافة الدول العربية خلال هذا الوباء لم تجد استجابة من جميع دول المجلس لها وكأنه لم يصدر أى دعوة لذلك !!! ، بل وجدنا أن كل دولة تقرر بنفسها كيف تختبر مواطنيها وكيف تمنع العدوى وكيف تدير المستلزمات الطبية !!! وننبه من أن “التعاون ضروري” ، رحم الله العروبة ورحم الله جامعة الدول العربية بمنظماتها المختلفة ، وبالرغم من كل ذلك فإننى أؤكد أنه عندما نكون معا سنكون أقوى ضد COVID-19، ولن نتغلب على هذه الأزمة بدون تضامن اقتصادي وصحي عربى .
د. مجدى عبدالله
mhamed754@yahoo.com

ك

الوسوم