شهد العالم يوم السبت الموافق الأول من أغسطس 2020 بدء تشغيل أول مفاعل نووي سلمي بمنطقة الشرق الأوسط لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية ، وذلك بمحطة براكة بالمنطقة الغربية في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة لتنضم إلى قائمة الدول المنتجة للكهرباء من الطاقة النووية وتصبح أول دولة خليجية وعربية والدولة رقم 33 على مستوى العالم فى هذا الشأن ، حيث أكد المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية السبت بدأ عملية تشغيل المفاعل الأول في محطة براكة للطاقة النووية بنجاح .
ومن الجدير بالذكر أن استهلاك الكهرباء فى دولة الإمارات يعد من الأعلى عالمياً ، فهى تعتمد بنسبة 99٪ في إنتاجها على محطات حرارية تعمل بالغازالطبيعى ، ومع ارتفاع الطلب لديها على الطاقة والذي يتسارع بمعدل سنوي تبلغ نسبته 9% ، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف متوسط الطلب العالمي ، حيث يتوقع أن تصل حاجة الإمارات من الطاقة إلى 40 جيجاوات بحلول هذا العام ، بينما تنتج حالياً ما يتراوح بين 17 و18 جيجاوات ، لذا اتجهت الدولة هناك إلى توفير بدائل للطاقة كالطاقة النووية لسد احتياجات التطور الاقتصادي والسكاني لديها ، وقد استغنت قيادات الدولة عن فكرة اختيار الفحم في توليد الطاقة ، كونه مضراً بالبيئة وينتج عنه انبعاثات كربونية وغازات سامة ، فحجم النفايات التي تنتج من محطة الفحم تعد أكثر آلاف المرات مما تنتجه المحطة النووية ، وأيضا النفط الخام الذى يعتبر مكلفاً جداً من الناحية الاقتصادية بالإضافة لما ينتج عنه من انبعاثات كربونية ، بالإضافة إلى أن الطاقة النووية تحتاج لكمية صغيرة من الوقود حيث أن كل 1 كجم من اليورانيوم يستطيع إنتاج طاقة كالتي ينتجها 4500 طن من الفحم ، فطن واحد من اليورانيوم يقوم بتوليد طاقة كهربائية أكبر من ملايين من براميل البترول أو ملايين الأطنان من الفحم ، ونظراً لصغر كمية الوقود فإن تكلفة التشغيل والنقل أيضاً صغيره جدا ، فنجد أن تكلفة الكيلووات ساعة المنتج في دول الاتحاد الأوروبي للكيلووات ساعة هى 1.2 سنت للمحطات النووية مستوفاة الديون و2.4 سنت للمحطات النووية الجديدة ؛ بينما نجدها 2.7 سنت ، 4.8 سنت من محطات الغاز منخفضة سعر الوقود ومحطات الرياح على التوالى ؛ أمافي الولايات المتحدة فإن متوسط التكلفة للكيلووات ساعة هو 1.69، 1.90، 5.87، 5.39 سنتا من الطاقة النووية والفحم والغاز الطبيعي والنفط على التوالى ، ونجد معامل السعة للمحطة النووية (النسبة بين كمية الطاقة الكهربية المولدة الى كمية الطاقة التصميمية لها فى السنة) 90% بينما نجده 70% لمحطات الفحم ، 14 – 50 % لمحطات الغاز الطبيعى، و 25% للمحطات المائية والرياح ، وتشغل المحطات النووية مساحات صغيرة من الأرض مقارنة بمحطات الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح لذا فالفوائد الصافية لمحطات الطاقة النووية تفوق بكثير صافي فوائد التقنيات الاخرى مع تكنولوجيا الطاقة منخفضة الكربون الأكثر فعالية من حيث التكلفة .
ولكل تلك الأسباب أنشئ البرنامج النووي السلمي لدولة الإمارات بهدف توفير طاقة نووية آمنة وفعالة وموثوقة وصديقة بيئياً ومفيدة اقتصادياً لدعم النمو الاجتماعي والاقتصادي في دولة الإمارات ، وتعود البداية إلى عام 1995 حين انضمت الإمارات إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ، كما وقّعت فى عام 2000 على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية ، وفي عام 2008 تم إصدار وثيقة السياسة العامة في تقييم إمكانية تطوير برنامج للطاقة النووية السلمية ، وفى أكتوبر 2009 صدر قانون تأسيس الهيئة الاتحادية للرقابة النووية ، وفى ديسمبر 2009 أنشئت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية وكان ذلك إيذاناً بدخول البرنامج النووي السلمي لدولة الإمارات مرحلة جديدة تركز على استخدام الطاقة النووية في الأغراض السلمية وتوليد الكهرباء لتلبية الطلب المستقبلي ، وفى نفس الشهر وقّعت دولة الإمارات وجمهورية كوريا الجنوبية عقداً لإقامة أربع محطات للطاقة النووية على تحالف شركات تقوده الشركة الكورية للطاقة الكهربائية (كيبكو) وتقدر قيمة هذاالعقد بنحو 24.4 مليار دولار لبناء وتشغيل 4 مفاعلات نووية من مفاعلات الجيل الثالث بقدرة تشغيلية تبلغ 1400 ميجاوات (APR1400) ، وتتراوح النسبة المعتمدة لتخصيب اليورانيوم المستخدم فيها بين 3 إلى 4%، ولا تتجاوز 5%. ، وذلك فى موقع براكة في المنطقة الغربية من إمارة أبوظبي ويبعد نحو 53 كيلومترًا نحو الجنوب الغربي من مدينة الرويس ، والمفاعل من تصميم شركة (وستنغهاوس) الأميركية ، وتم ترخيصه للعمل في أميركا من قبل المفوضية النووية الأميركية ، وقد طور الكوريون تقنياته خلال العقود الثلاثة الماضية لينتجوا مفاعلا من الجيل الثالث المتطور جداً من ناحية السلامة والأمن ، ويخلو المشروع النووي الإماراتي من مرحلة التخصيب ، وكذلك إعادة معالجة الوقود المستهلك في المفاعلات النووية ، وذلك للتأكيد على التزام الإمارات بأعلى معايير السلامة والأمن ، ومعايير حظر الانتشار النووى .
وقد اختير موقع براكة استنادًا إلى عوامل بيئية وتقنية وتجارية من بينها تاريخ الزلازل في المنطقة ، البعد عن المناطق السكنية ، القرب من مصادر المياه ، القرب من مرافق البنية التحتية للصناعة والنقل ، والقدرة على الحد من الأثر البيئى وغيرها من الشروط الهامة لاختيار الموقع ، وقد بدأت الأعمال الإنشائية في المحطة الأولى في شهر يوليو 2012 وفى المحطة الثانية في شهر مايو 2013 واحتفلت المؤسسة في شهر سبتمبر 2014 ببدء أعمال صب خرسانة مبنى احتواء المفاعل في المحطة الثالثة وفي المحطة والرابعة فى سبتمبر عام 2015 ، وللتعريف بآخر تطورات الأعمال الإنشائية وتشحيز الهمم فى بناء هذا الصرح العظيم قامت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية باستضافة العديد من الوفود الرسمية في موقع المحطة النووية منهم رؤساء دول ورؤساء وزارات ووزراء بالإضافة إلى السيد يوكيا أمانو المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية للتعريف بآخر المستجدات الإنشائية ومستوى السلامة المعمول به في عمليات إنشاء المحطة ، كما أشار وزير الطاقة الإماراتي إلى أنه في نهاية شهر سبتمبر 2017 بلغت نسبة إنجاز المحطات ما يلي: أكثر من 96% في المحطة الأولى ، 87% في المحطة الثانية 78% في المحطة الثالثة 58% في المحطة الرابعة مع نسبة إنجاز كلى 84% للمشروع ، وقد أكد الوزير أن أول مفاعل للطاقة النووية في بلاده سيبدأ فى 2018 حيث تتطلع الإمارات للطاقة النووية من أجل الإسهام بنحو 25 بالمئة من مزيجها من الطاقة بحلول 2021 ، لكن جرى التأجيل عدة مرات على خلفية إجراءات السلامة المرتبطة بالمشروع الضخم إلى أن منحت الهيئة الاتحادية للرقابة النووية فى دولة الإمارات الضوء الأخضر وأصدرت رخصة التشغيل للوحدة الأولى من محطة “براكة” للطاقة النووية في فبراير الماضي ، وقد نجحت فرق العمل في تحميل حزم الوقود النووي وإجراء اختبارات شاملة وإتمام عملية التشغيل بنجاح.
ومن المتوقع أن تحدّ المحطة النووية من الانبعاثات الكربونية في الإمارات بواقع 21 مليون طن سنويًا ، وتسعى الإمارات وهي دولة نفطية كبيرة بهذا المشروع إلى تنويع مصادرها من الطاقة النظيفة وتعزيز موقعها كدولة مؤثرة على الساحتين الإقليمية والدولية لتصبح أول دولة خليجية وعربية لديها أول مفاعل نووي سلمي لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية .
د. مجدى عبدالله
استاذ متفرغ بهيئة الرقابة النووية والإشعاعية
mhamed754@yahoo.com