المقالات
حرائق غابات الأمازون تهدد العالم
حرائق غابات الأمازون تهدد العالم
بقلم _ د.مجدى عبدالله
الغابات هي من بين النظم البيئية الأكثر تنوعاً واتساعاً في النطاق على وجه الأرض ولها أهمية عظمى في حياة الإنسان لما توفره من احتياجات انسانية أساسية مثل الماء والغذاء والمأوى والدواء والعلف والأخشاب وتوفر مدى واسع من الخدمات البيئية ، والتي تتضمن حفظ التنوع البيولوجي ، وحماية مجمعات المياه ، وحماية التربة ، والتخفيف من آثار التغير المناخي العالمي ، ومقاومة التصحر ؛ وهى توفر مجموعة من الخدمات البيئية الضرورية لبقاء الكوكب والاستدامة البيئية ، وتلعب دورا هاماً في ثبات التربة وحماية الأراضى من الانجراف بفعل الرياح والمياه ، وتساعد في الحفاظ على إمداد منتظم بالمياه العذبة النظيفة ؛ وأيضا تعتبر الغابات الآن جزءاً لا يتجزأ من الجهود الدولية لمكافحة التغير المناخي ، حيث تعمل الأشجار وتربة الغابات كعازل للغلاف الجوي ضد غازات الكربون المتصاعدة في الجو ، وهى أحدى الغازات الدفيئة الرئيسة المتسببة في ظاهرة الاحتباس الحرارى العالمي .
وتعتبر الغابات هامة من الناحية الاقتصادية فوفقاً للبنك الدولي يوجد حوالى6.1 مليار شخص يعتمدون إلى حد كبير في حياتهم على الغابات ، وفي عام 2003 بلغ حجم التجارة الدولية في الخشب المنشور ولب الورق والواح الخشب مايقرب من 150 بليون دولار أمريكي ، أو مايزيد عن ٢ بالمئة من التجارة العالمية .
وتعتبر غابات الأمازون وأسمها مستمد من الأساطير اليونانية التي وصفها هيرودوت الأكبر على سطح الأرض حيث تبلغ مساحتها 5.5 مليون كيلومتر مربع (550 مليون هكتار) أي على مساحة أكبر من مساحة الاتحاد الأوروبي ، حيث تتقاسمها تسع دول هى البرازيل بنسبة 58.4٪ وبيرو بنسبة 12.8 ٪ ، بوليفيا بنسبة 7.7 ٪ ، كولومبيا بنسبة 7.1 ٪ ، فنزويلا بنسبة 6.1 ٪ ، غيانا بنسبة 3.1 ٪ ، سورينام بنسبة 2.5 ٪ ، غيانا الفرنسية بنسبة 1.4 ٪ ، والإكوادور بنسبة 1 ٪ ، ويحتوي نهر الأمازون الجاري فيها على نحو 20%من المياه العذبة الجارية في الأرض ، وعلى الرغم من أن منطقة الأمازون لا تغطي سوى 4% من سطح الأرض، إلا أنها تحتوي على ثلث جميع أنواع النباتات والحيوانات والحشرات وبقية الكائنات الحية التي على الأرض.
فالتنوع البيولوجى الذى تحتويه هذه الغابات هو الأعلى على كوكب الأرض فهي موطن لحوالي 2.5 مليون نوع من الحشرات، وعشرات الآلاف من أنواع النباتات صُنّف منها علميا حتى الآن على الأقل 40,000 نوع ، و2200 نوع من الأسماك، و1294 نوع من الطيور، و427 نوع من الثدييات، و428 نوع برمائي، و378 نوع من الزواحف. وقد وصف العلماء ما بين 96,660 و128,843 نوع من اللا فقاريات في البرازيل وحدها.
وتضم غابات الأمازون المطيرة نسبة 10 في المئة من كتلة الحياة على الأرض، وتشكل ما يشبه الاسفنجة الضخمة التي تمتص وتختزن كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون الذي تمتصه أشجارها لتنتج عبر عملية البناء الضوئي نحو 20% من الأكسجين في كوكبنا ، لذلك اعتاد العلماء على وصفها بأنها “رئة الأرض” لأنها تلعب دورا جوهريا في دورة الكربون في الأرض التي تؤثر في مناخها . ويقول عدد آخر من العلماء أنها تمثل “قلب الأرض” النابض مستندين إلى أن ملايين الأشجار في هذه المنطقة تعمل معا أشبه بـ”مضخة حيوية” ضخمة تولد دورة حركة مياه عبر ما تضخه في الهواء من بخار ماء ، تتحرك في ما يشبه “الأنهار الطائرة” التي تؤثر في طبيعة المناخ في كوكبنا ،وتؤكد دراسة أن الأنهار الطائرة تنقل كمية من المياه أكثر من نهر الأمازون “فالشجرة الكبيرة الواحدة تطرح ما مساحته 20 مترا مربعا من بخار الماء أي ما يصل إلى 300 لتر يوميا”، أي أن نسبة البخار الناتج عن الغابات تزيد بـ 8 الى 10 مرات عن ما ينتجه المتر المربع الواحد من مياه المحيطات من البخار وهو متر مربع واحد ، وتضيف الدراسة أن غابات الأمازون تنتج يوميا ما معدله 20 مليار طن متري من البخار أي أكثر مما يتدفق في نهر الأمازون إلى المحيط الأطلسي، وهو 17 مليون طن مترى. ويسقط على منطقة الأمازون سنويا 15.400 كيلومترا مكعبا من الأمطار وهو أعلى معدل لتساقط الأمطار في العالم، وهي ضعف ما يسقط على روسيا التي تليها في المرتبة الثانية بما معدله 7800 كيلومترا مكعبا سنويا.
وتؤكد دراسة لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا بالاستناد إلى رصد أقمارها الاصطناعية ، ونشرت في فبرايرعام 2015 إلى وجود علاقة بين أكثر مناطق الأرض جفافا، أي الصحراء الأفريقية الكبرى مع أكثرها رطوبة وأمطارا استوائية، وهي منطقة الأمازون وخلصت الدراسة إلى أن “الصحراء الأفريقية الكبرى” هى مصدر الخصوبة فى غابات الأمازون والعامل المؤثر في تزويد الأرض بجزء كبير من الأكسجين الذي تنتجه طحالب صغيرة أحادية الخلية فيها .
ويستطيع كل إنسان على سطح الكوكب أن يقول إن له 50 شجرة فى هذه الغابات على الأقل ، إلا أنه يتم حاليآ الاعتداء السافر عليها حيث يجري تجريف وقطع جائر لأشجارها ونباتاتها لتحويلها إلى طرق سريعة ومدن سكنية ناهيك عن زراعة المخدرات فيها وإنشاء معامل تصنيع وتحويل هذه المخدرات، ويتم تهريبها إلى جميع أنحاء العالم من خلال عصابات بمساعدة بعض الحكام والدكتاتوريات العالمية ، حيث يشير تقرير لمنظمة الحياة البرية العالمية إلى أن منطقة الأمازون فقدت أكثر من 17% من غاباتها خلال الخمسين سنة الأخيرة جراء عمليات قطع أشجار الغابات لتوفير مساحات لرعي وتربية قطعان الماشية . وتحذر المنظمة نفسها من أنه إذا تواصلت الوتيرة الحالية لإزالة الغابات فإن العالم سيفقد ما يصل الى 420 مليون فدان من الغابات في الفترة بين 2010 و2030، أي أكثر من 80 في المئة من الغابات في العالم .
وقد دقت نواقيس الخطر في العالم مؤخرا مع تزايد حرائق الغابات في البرازيل وهذه القضية ليست بجديدة فقد ظل العلماء ونشطاء الدفاع عن البيئة يُحذرون من أن ترافق إزالة الغابات مع تأثيرات التغيير المناخي وارتفاع درجات الحرارة في منطقة الأمازون يهدد بكارثة بيئية وخلق مساحات واسعة من أراضي السافانا الجافة ، ويعتبر حوض الأمازون حيويا لكبح مستوى الاحتباس الحراري حول العالم ، حيث تمتص الغابات ملايين الأطنان من انبعاثات الكربون كل عام ، وعند قطع الأشجار أو حرقها ينطلق الكربون الذي تخزنه تلك الأشجار إلى الجو وتقلّ قدرة الغابات المطيرة على امتصاص انبعاثات الكربون .
وقد أستعرت الحرائق في أكبر غابات استوائية بالعالم في الأمازون بالبرازيل منذ بداية شهر أغسطس، وقد أستمرت في الاتساع بلا هوادة منذ شهر يوليو/تموز الماضي ، وعجز السلطات البرازيلية عن السيطرة على الوضع أثار قلق وغضب المجتمع الدولي الذي دعا إلى إنقاذ “رئة العالم” من الاحتراق.
وقد سجلت البرازيل مستوى قياسيا من الحرائق في العام الحالي، 2019 ، بحسب بيانات وكالة الفضاء البرازيلية ، ويقول المعهد الوطني لأبحاث الفضاء في البرازيل إن البيانات التي رصدها قمره الصناعي تشير إلى زيادة قدرها 85% في معدلات الحرائق ، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي 2018 ، وتقول البيانات الرسمية إن أكثر من 75 ألفا من حرائق الغابات رُصدت في البرازيل في الأشهر الثماني الأولى من العام الحالي وهو أعلى رقم منذ 2013 ، ولم يتجاوز عدد الحرائق المسجلة في نفس الفترة من العام الماضي 40 ألفا .
وتشيع الحرائق في غابات الأمازون في موسم الجفاف، الذي يبدأ من يوليو/تموز وحتى أكتوبر/تشرين الأول . ويمكن أن تشتعل الحرائق بفعل الطبيعة كما في ضربات البرق ، لكنها أيضا قد تشتعل بفعل المزارعين والحطابين ممن يتخلصون من الحطب لتجهيز الأرض لزراعة محاصيل جديدة أو للرعي ، ووقعت معظم المناطق الأكثر تضررا من الحرائق شمالي البرازيل ، وكان ثاني أكبر عدد من الحرائق من نصيب فنزويلا التي شهدت أكثر من 26 ألف حريق، تلتها بوليفيا في المركز الثالث مسجلة أكثر من 17 ألف حريق .
وغطت سحب من دخان الحرائق سماء منطقة الأمازون وما وراءها ، وطبقا لخدمة كوبرنيكوس (كامز) لمراقبة الجو التابعة للاتحاد الأوروبي ، فإن سحب الدخان تسافر وصولا إلى ساحل الأطلسي بل لقد جعلت السماء تُظلم في ساو باولو على مسافة تتجاوز 3.200 كيلو متر ، وتنبعث عن الحرائق كمية كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، بلغت 228 ميغا طن حتى الآن في العام الحالي بحسب (كامز) ، وهي الأعلى منذ عام 2010 ، ومن بين الانبعاثات غاز أول أكسيد الكربون الناتج عن احتراق الأخشاب في ندرة من الأكسجين ، وتُظهر خرائط (كامز) وصول غاز أول أكسيد الكربون ذي المستويات المرتفعة من السُميّة إلى ما وراء الخطوط الساحلية لأمريكا الجنوبية .
وأثارت الحرائق غضبا دوليا وباتت أحد أهم مواضيع النقاش في قمة مجموعة السبع في بياريتس بجنوب فرنسا ، واحتج الآلاف في البرازيل وأوروبا ، وتسببت هذه الكارثة البيئية في سجال سياسي داخل البرازيل بين الرئيس جايير بولسونارو الذي اتهم منظمات غير حكومية بالوقوف وراء هذه الحرائق، في حين تتهمه تلك المنظمات “باللامسؤولية”.
وتخطت الأزمة الصعيد الداخلي ، إذ أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس أن الحرائق في الأمازون “أزمة دولية” داعيا إلى مناقشتها خلال قمة مجموعة السبع التي تستضيفها بلاده نهاية الأسبوع، وقد أثارت تصريحات ماكرون غضب بولسونارو الذي اتهم نظيره الفرنسي بالعمل “بعقلية استعمارية”.
وأيضا تحدث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن أزمة بيئية عالمية، ودعا إلى حماية غابات الأمازون، مؤكدا أن العالم لا يمكنه تحمل أن يلحق ضرر بمصدر رئيسي للأوكسجين والتنوع البيئي، وتعهدت دول مجموعة السبع بتقديم مساعدات مادية بملبغ 20 مليون دولار لمنطقة الأمازون .
ولكن من الملاحظ أن الحرائق التي تلتهم مساحات كبيرة من الغابات في أفريقيا وهى ما يعرف ب”الرئة الثانية” للعالم لم تحظ بنفس الاهتمام الذي يوليه العالم اليوم لكارثة حرائق غابات الأمازون ، فهذه الحرائق مستعرة في غابات القارة السمراء بوتيرة أسرع من دون أن تثير انتباه الرأي العام العالمي.