المقالات

بعد عقد من الزمان … الدروس المستفادة من حادث فوكوشيما النووى

بقلم / د. مجدى عبدالله

بعد مرور عشر سنوات على حادثة فوكوشيما النووية والتي قلبت حياة الكثير من سكان اليابان رأسا على عقب وما زالت حاضرة في الأذهان ، ففى الحادى عشر من مارس 2011 وقع زلزال عنيف بقوة 9 درجات قبالة الساحل الشرقي لليابان ناتج عن انطلاق مفاجئ للطاقة في نقطة الإلتقاء التي تندفع فيھا الصفيحة التكتونية في المحيط الھادي تحت الصفيحة التكتونية لأمريكا الشمالية ، واستمرت الھزة الرئيسية أكثر من دقيقتين وصاحبتھا عدة نبضات كبيرة وھزات لاحقة ؛ أعقبها تسونامي اجتاح مساحة كبيرة من ساحل اليابان وتصدع قطاع من القشرة الأرضية يقدر بنحو 200 كم عرضا و500 كم طولاً ، بما في ذلك الساحل الشمالي الشرقي الذي بلغ فيه ارتفاع عدة موجات أكثر من عشرة أمتار وتسبب الزلزال والتسونامي في خسائر فادحة في الأرواح ودمار واسع في اليابان وأكثر من 18 ألف قتيل وإصابة ما يزيد على 6 آلاف شخص ، ولحقت بالمباني والبنية الأساسية أضرار ھائلة خصوصا على طول الساحل الشمالي الشرقي لليابان .

وعند وقوع الزلزال كانت في محطة فوكوشيما للطاقة النووية ثلاث من بين المفاعلات الستة في المحطة تعمل بكامل طاقتھا ، وكانت الثلاث الأخرى مغلقة لإعادة تزويدھا بالوقود ولصيانتھا ، وأغلقت المفاعلات العاملة في الوحدات 1-3 تلقائياً ، عندما كشفت أجھزة الاستشعار في المحطة الحركة الأرضية ونشطت نُظم وقاية المفاعل وفقا للتصميم ، وقد الحق الزلزال أضراراً بخطوط إمدادات القوى الكھربائية في الموقع والحقت موجات التسونامي اللاحقة دمارا ھائلا بالبنية الأساسية التشغيلية والبنية الأساسية للأمان في الموقع، وأدى ذلك لانقطاع الكھرباء خارج الموقع وداخله ، وأسفر عن توقف وظيفة التبريد في وحدات المفاعل العاملة الثلاث وكذلك في أحواض الوقود المستھلك ، وتأثرت أيضا محطات القوى النووية الأربع الأخرى على طول الساحل بدرجات متفاوتة جراء الزلزال والتسونامى ، ولكن جميع وحدات المفاعل العاملة في ھذه المحطات أُغلقت بصورة مأمونة ، وبالرغم من الجھود التي بذلھا المشغلين في المحطة للحفاظ على التحكم ، ارتفعت درجة حرارة قلب المفاعل في الوحدات من 1 إلى 3 ارتفاعا مفرطا ، وانصھر الوقود النووى ، وتصدعت أوعية الاحتواء الثلاثة ، وانطلق الھيدروجين من أوعية ضغط المفاعلات ، وأدى ذلك إلى وقوع انفجارات داخل مباني المفاعلات في الوحدات 1 و3 و4 مما تسبب في إتلاف الھياكل والمعدات وإصابة العاملين ، وانطلقت نويدات مشعة في البيئة مثل اليود-131 والسيزيوم-134 والسيزيوم-137 ووجدت في مياه الشرب والأغذية وفي بعض المواد غير المأكولة ، بالإضافة إلى النويدات المشعة من المحطة إلى الغلاف الجوي والتي دخلت في المحيط من الترسب الجوى ، وأيضا ترسبت على الأرض ، كما كانت ھناك انبعاثات وتصريفات من المحطة إلى البحر مباشرة في الموقع ، وتصديا للحادث وضعت السلطات اليابانية قيودا تمنع استھلاك ھذه المنتجات .

وتم إجلاء الأشخاص الذين كانوا على مسافة شعاع طوله 20 كم من الموقع وفي المناطق المعينة الأخرى ، وصدرت تعليمات إلى الأشخاص الذين كانوا على مسافة شعاع يتراوح طوله بين 20 و30 كم بالاحتماء قبل إبلاغھم لاحقا بإخلاء المكان طواعية ، وفرضت قيود على توزيع الأغذية واستھلاكھا وعلى استھلاك مياه الشرب ، ولا يزال أشخاص كثيرون يعيشون خارج المناطق التي جرى إجلاؤھم منھا ، وبعد استقرار ظروف المفاعلات في المحطة بدأ العمل للتحضير للإخراج النھائى من الخدمة .

وقد ساعدت الطبيعة بالإضافة إلى الخصائص الكيميائية والفيزيائية للنويدات المشعة ، في احتواء التلوث الإشعاعي وإبعاده عن الناس ، فالمعادن الطينية الموجودة في تربة الغابات المحيطة بالمحطة تربط النويدات المشعة الناتجة عن الحادث مثل الراديوم مما منع انتقالها إلى الغطاء النباتي والأراضي الزراعية ، وأيضاً لعبت الأنهار والبرك والبحيرات في المناطق المحيطة بمنطقة المحطة دور هام ، ففى النظم البيئية للمياه العذبة ترتبط المواد المشعة بالرسوبيات العالقة التي تترسب في قاع الجسم المائي ويؤدي هذا إلى انخفاض سريع في مستويات النويدات المشعة المذابة في الماء .

وفي أعقاب الحادث شرعت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مراجعة وتعزيز السلامة والأمان النووى العالمى بالاعتماد على الدروس المستفادة من الحادث ، والتوجيه باتباع نهج منهجي للسلامة يعالج النظام بأكمله من خلال ثلاثة أنواع من العوامل: البشرية أو الفردية (مثل المعرفة والأفكار والقرارات والإجراءات) والتقنية (مثل التكنولوجيا والأدوات والمعدات) والتنظيمية (مثل نظام الإدارة ، والهيكل التنظيمى ، والحوكمة ، والموارد) مع الأخذ فى الاعتبار أهمية التعاون الدولي الفعال بشأن السلامة النووية، كما أصدرت معايير أمان دولية جديدة وأنشأت لجنة معايير EPReSC مخصصة في عام 2015 .
ومن الدروس المستفادة ضرورة أن يكون التقييم الذي يجري للمخاطر الطبيعية تقييما متحفظا بما فيه الكفاية، والنظر في البيانات التاريخية بالأساس في إرساء الأساس التصميمي لمحطات القوى النووية ، مع إعادة تقييم أمان محطات القوى النووية دوريا من أجل النظر في أوجه التقدم في المعارف ، ومن الضروري تنفيذ الإجراءات التصحيحية أو التدابير التعويضية على وجه السرعة ، مع ضرورة أن يراعي تقييم المخاطر الطبيعية احتمال وقوعھا مجتمعة إما فى وقت واحد أو الواحدة تلو الأخرى ويراعي آثارھا المجتمعة فى محطات القوى النووية ، وأيضاً توفير نظم تبريد متينة وموثوقة قادرة على العمل في ظروف الحوادث المحتاط لھا وغير المحتاط لھا في التصميم من أجل إزالة الحرارة المتبقية ، كما يلزم وضع شرحا لمبادئ ومعايير الوقاية من الإشعاعات تكون مفھومة لغير المتخصصين بغية جعل تطبيقھا أوضح لصناع القرار وللجمھور ، ويجب أن ينصب التركيز خلال أي مرحلة من مراحل الطوارئ على وقاية الناس ، ولابد من وجود إطار قانوني ملائم للاستخدام الآمن والسلمي للتكنولوجيا النووية توفره النظم القانونية النووية الوطنية والدولية لتحمي الأفراد والممتلكات والبيئة بشكل مناسب ، وتساعد على تحديد المسؤولية عند حدوث خطأ ما ، فإذا كانت الطاقة النووية ستلعب دورها الضروري في إزالة الكربون عن إمدادات الطاقة العالمية ، فمن الأهمية إزالة الحواجز التي تعترض تطوير منشآت جديدة مثل عدم اليقين بشأن ترتيبات المسؤولية ، فالاستعداد لما هو غير متوقع أمر حيوي لتطوير الاستعداد لحالات الطوارئ فالحظ في صالح المستعدين .
د. مجدى عبدالله
mahamed71954@gmail.com

الوسوم